الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ***
وقال أبو حنيفة ومالك: الأفضل أن يغسَّل مجرَّدًا، إلا أنَّه تستر عورته. 1354- قال أحمد: ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ عليًّا غسَّل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسنده إلى صدره وعليه قميصه، وكان أسامة وصالح يصبَّان الماء، وعليٌّ يغسِّله. ز: حسين: ضعَّفه غير واحدٍ من الأئمة. 1355- وقال أبو معاوية: ثنا أبو بردة عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال: لمَّا أخذوا في غسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناداهم منادٍ من الدَّاخل: لا تنزعوا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قميصه. رواه ابن ماجه عن سعيد بن يحيى بن الأزهر عن أبي معاوية. وابن بريدة هو: سليمان، وهو ثقةٌ، روى له مسلمٌ في " صحيحه". وأبو بردة هو: عمرو بن يزيد، وهو ضعيفٌ، تكلَّم فيه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود وغيرهم. وذكر الحاكم أنَّ هذا الحديث على شرط الشَّيخين، وهو واهمٌ في ذلك، وكأَنَّه ظنَّ أنَّ أبا بردة هو بُريد بن عبد الله بن أبي بردة، أحد الثِّقات المشهورين، المخرَّج لهم في " الصَّحيحين "، وليس به، وإن كان أبو معاوية يروي عن بُريد، فإنَّ بُريدًا لا تعرف له رواية عن علقمة بن مرثد، والله أعلم O.
وقال أبو حنيفة: لا يستحبُّ. 1356- قال أحمد: ثنا إسماعيل ثنا أيُّوب عن محمد عن أمِّ عطيَّة قالت: أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نغسِّل ابنته، فقال: "اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك- إن رأيتنَّ ذلك- بماءٍ وسدرٍ، واجعلن في الآخرة كافورًا- أو شيئًا من كافور-، فإذا فرغتنَّ فآذنَّني". قالت: فلمَّا فرغنا آذنَّاه، فألقى إلينا حَقْوه، وقال: "أَشْعِرْنَهَا إيَّاه " أخرجاه في " الصَّحيحين".
وقال أبو حنيفة: يكره ذلك، ولكن ترسله الغاسلة غير مضفور بين يديها من الجانبين، وتسدل خمارها عليه. 1357- قال البخاريُّ: ثنا قبيصة عن سفيان عن هشام عن أمِّ الهذيل عن أمِّ عطيَّة قالت: ضفرنا شعر بنت النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة قرون. 1358- وقال سعيد بن منصور: أنا أبو معاوية عن رجلٍ عن هشامٍ عن حفصة عن أمِّ عطيَّة قالت: لمَّا ماتت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغسلنها وترًا، واجعلن شعرها ضفائر".
وقال أبو حنيفة: لا يجب غسل ما عَدا النَّجاسة. لنا: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر- إن رأيتنَّ-". يعني: إن حدَّث بها حدثٌ.
وعنه: ينجس، كقول أبي حنيفة. وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين. لنا حديثان: 1359- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا ابن أبي عديٍّ عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: لقيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا جنبٌ، فانسللت، فاغتسلت، فقال: "أين كنت؟ " فأخبرته، فقال: "إنَّ المؤمن لا ينجس". أخرجاه في " الصَّحيحين". 1360- الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا عبيد العجليُّ ثنا يحيى بن معلَّى بن منصور ثنا عبد الرَّحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله المخزوميُّ ثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تنجسوا موتاكم، فإنَّ المسلم ليس بنجسٍ حيًّا ولا ميِّتًا". عبد الرَّحمن بن يحيى فيه ضعفٌ. ز: روى هذا الحديث الحاكم في " المستدرك " من رواية أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة عن ابن عيينة، وقال: صحيحٌ على شرطهما، ولم يخرجاه. وقال الحافظ محمد بن عبد الواحد: إسناده عندي على شرط الصَّحيح. 1361- وقال البخاريُّ: قال ابن عباس: المسلم لا ينجس حيًّا ولا ميِّتًا. وعبد الرَّحمن بن يحيى: لا نعلم أحدًا ضعَّفه، بل صدَّقه أبو حاتم وروى عنه O.
وقال أبو حنيفة ومالك: ينقطع. 1362- قال أحمد: ثنا هشيم أنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنَّ رجلاً كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوقصته ناقته وهو محرمٌ، فمات، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبه، ولا تمسُّوه طيبًا، ولا تخمِّروا رأسه، فإنَّه يبعث يوم القيامة ملبدًا". أخرجاه في " الصَّحيحين". احتجُّوا: 1362/أ- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمد بن عليٍّ السَّرخسيُّ ثنا عليُّ بن عاصم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المحرم يموت، قال: "خمِّروهم، ولا تشبَّهوا باليهود". هذا حديثٌ لا يصحُّ، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرف عليَّ بن عاصم بالكذب. وكان أحمد سيء الرأي فيه، وقال يحيى: ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث. قلت: بل قد روي هذا الحديث مرسلاً: 1363- قال سعيد بن منصور: ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج عن عطاء قال: إذا مات المحرم خمِّروا وجهه، فإنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "خمِّروا وجوههم، ولا تشبَّهوا بأهل الكتاب".
وقال أبو حنيفة: لا يجوز. 1364- قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن الزُّهريِّ عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت: رجع إليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يومٍ من جنازةٍ بالبقيع، وأنا أجد صداعًا في رأسي، وأنا أقول: وا رأساه، فقال: "بل أنا وا رأساه". ثُمَّ قال: "ما ضرّك لو متِّ قبلي، فغسَّلتك، وكفَّنتك، ثُمَّ صلَّيت عليك، ودفنتك". قلت: لكأنِّي بكَ والله لو فعلت ذلك، لقد رجعت إلى بيتي، فأعرست فيه ببعض نسائك! فتبسَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ بُدئ في وجعه الَّذي مات فيه. ز: رواه ابن ماجه عن الذُّهلِيِّ عن أحمد بن حنبل، ورواه النَّسائيُّ عن عمرو بن هشام عن محمد بن سلمة نحوه O. فإن قيل: قد روى هذا الحديث البخاريُّ في " صحيحه " فقال فيه: قلت: وا رأساه. فقال: "ذلك لو كان وأنا حيٌّ، فأستغفر لك، وأدعو لك". ورواه صالح بن كيسان عن الزُّهريِّ فقال فيه: "وددت أنَّ ذلك كان وأنا حيٌّ، فهيأتك ودفنتك". ولم يقل: (غسَّلتك) إلا محمد بن إسحاق، وقد كذَّبه مالك. قلنا: إنَّما كذَّبه مالك بقول هشام بن عروة: (إنَّه حدَّث عن امرأتي وما رآها رجلٌ قطٌّ)، وقد تأوَّل هذا أحمد بن حنبل فقال: يمكن أن تكون خرجت إلى المسجد فسمع منها. وقال يحيى بن معين: محمد بن إسحاق ثقةٌ. وقال شعبة: صدوقٌ. 1365- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الباقي بن قانع ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل ثنا عبد الله بن صندل. ثنا عبد الله بن نافع المدنيُّ عن محمد بن موسى عن عون بن محمد عن أمِّه عن أسماء بنت عميس أنَّ فاطمة عليها السَّلام أوصت أن يغسِّلها زوجها عليٌّ وأسماء، فغسَّلاها. وقد رواه هبة الله الطَّبريُّ عن أسماء: أنَّ عليًّا غسَّل فاطمة، قالت أسماء: وأعنته عليها. ولم ينكر عليه أحدٌ من الصَّحابة، فصار كالإجماع. فإن قيل: قد أنكر أحمد هذا الحديث، ثُمَّ في الإسناد عبد الله بن نافع، قال يحيى: ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ: متروكٌ. قلنا: قد قال يحيى في روايةٍ: يكتب حديثه. قال بعض المتفقِّهة: لو صح هذا الحديث قلنا: إنَّما غسَّلها لأنَّها زوجته في الآخرة، فما انقطعت الزَّوجيَّة. قلنا: لو بقيت الزَّوجيَّة لما تزوَّج بنت أختها أمامة بنت زينب بعد موتها، وقد مات عن أربع حرائر. قالوا: فقد روي أنَّها اغتسلت وماتت، فاكتفوا بغسلها ذلك: 1366- أخبرنا عبد الله بن عليٍّ المقرئ أنا أبو منصور محمد بن أحمد ابن عبد الرَّزَّاق أنا عبد الملك بن محمد أنا أبو عليٍّ أحمد بن الفضل بن خزيمة ثنا محمد بن سويد الطَّحَّان ثنا عاصم بن عليٍّ ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن عُبيد الله بن عليِّ بن أبي رافع عن أبيه عن أمِّه سلمى قالت: اشتكت فاطمة، فمرَّضتها، فقالت لي يومًا- وخرج عليٌّ عليه السَّلام-: يا أمتاه، اسكبي لي غسلاً. فسكبت، ثُمَّ قامت فاغتسلت كأحسن ما كنت أراها تغتسل، ثُمَّ قالت: هاتي لي ثيابي الجدد. فأتيتها بها، فلبستها، ثُمَّ جاءت إلى البيت الَّذي كانت فيه، فقالت لي [قدِّمي لي] الفراش إلى وسط البيت. ثُمَّ اضطجعت، ووضعت يدها تحت خدِّها، واستقبلت القبلة، ثُمَّ قالت: يا أمتاه، إنِّي مقبوضةٌ اليوم، وإنِّي قد اغتسلت، فلا يكشفني أحدٌ. قالت: فقبضت مكانها، فجاء عليٌّ عليه السَّلام، فأخبرته، فقال: لا والله، لا يكشفها أحدٌ، فدفنها بغسلها ذلك. قلنا: هذا حديثٌ لا يصحُّ، في إسناده ابن إسحاق وعليُّ بن عاصم، وقد سبق جرحهما. وقد رواه نوح بن يزيد عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد، ورواه الحكم ابن أسلم عن إبراهيم أيضًا. ورواه عبد الرَّزَّاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل: أنَّ فاطمة اغتسلت. هكذا ذكره مرسلاً. ونوح والحكم كلاهما متشيِّعٌ، وابن عقيل ضعيفٌ، وحديثه مرسلٌ، والتَّخليط فيه من بعض الرُّواة، وكيف يكون صحيحًا والغسل إنَّما شرع لحدث الموت؟! فكيف يقع قبله؟! وحوشي عليٌّ وفاطمة أن يخفى عليهما مثل هذا. ز: هذا الحديث منكرٌ جدًّا، أنكره الإمام أحمد وغيره، وإن كان قد رواه في " مسنده " عن أبي النَّضر عن إبراهيم بن سعد. قال حنبل: سمعت أبا عبد الله أنكر حديث إبراهيم بن سعد عن محمد ابن إسحاق أنَّ فاطمة غسَّلت نفسها وكفَّنتها. وعبيد الله بن عليِّ بن أبي رافع شيخٌ مقلٌّ، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبيد الله بن عليِّ بن [أبي] رافع، قال: هو ابن أخي عبيد الله بن أبي رافع، كاتب عليٍّ، روى عنه سعيد بن أبي هلال ومحمد بن إسحاق، لابأس بحديثه، ليس بمنكر الحديث. قلت: يحتجُّ بحديثه؟ قال: لا، هو يحدِّث بشيءٍ يسير، وهو شيخٌ. وقول المؤلِّف: (في إسناده ابن إسحاق وعليُّ بن عاصم، وقد سبق جرحهما) فيه نظرٌ، وقد تقدَّم قريبًا احتجاج المؤلِّف بابن إسحاق! وراوي هذا الحديث إنَّما هو: عاصم بن عليٍّ الواسطيُّ- لا أبوه: عليُّ بن عاصم-، وعاصم روى عنه البخاريُّ في " صحيحه". وقوله: (ونوح والحكم كلاهما متشيِّعٌ) فيه نظرٌ أيضًا، فإنَّ نوح بن يزيد: هو المؤدِّب، وهو صدوقٌ ثقةٌ، من أصحاب إبراهيم بن سعد، ولا نعلم أحدًا رماه بالتَّشيُّع. والحكم بن أسلم: قال فيه أبو حاتم الرَّازيُّ: قدريٌّ، بصريٌّ، صدوقٌ. والله أعلم O. قالوا: نعارض حجَّتكم بما: 1367- روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: "لا ينظر الله عزَّ وجلَّ إلى رجلٍ نظر إلى فرج امرأةٍ وابنتها". قالوا: وعندكم أنَّه إذا ماتت الزَّوجة قبل الدُّخول، فلزوجها أن يتزوَّج ابنتها ويغسِّل الزَّوجة، فينظر إلى فرجها. قلنا: لا تعرف صحَّة هذا الحديث، ولو صحَّ فنقول: متى ماتت الزَّوجة قبل الدُّخول جرى الموت مجرى الدُّخول، فلا يجوز للرَّجل أن يتزوَّج ابنتها في رواية؛ ولو سلَّمنا قلنا: المراد بالحديث النَّظر على وجه الاستمتاع، وذلك لا يحلُّ بعد الموت، ثُمَّ ليس من ضرورة الغسلِ النَّظرُ إلى الفرج.
وقال أبو حفص العكبريُّ: لا بأس بذلك، وزعم أنَّه قولٌ لأحمد. 1368- قال الخطيب: أخبرني محمد بن عبد الواحد ثنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقرئ ثنا العباس بن عليٍّ النَّسائيُّ ثنا يحيى بن معلى ثنا سهل ابن المغيرة ثنا أبو معشر عن محمد بن كعبٍ القرظيِّ عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال: جاء ثابت بن قيس بن شمَّاس إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنَّ أمَّه توفيت وهي نصرانيَّة، وهو يحب أن يحضرها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اركب دابتك وسر أمامها، فإنَّك إذا كنت أمامها لم تكن معها". ز: هذا حديثٌ لا يصحُّ، وأبو معشر ضعيفٌ O. احتجُّوا: 1369- بما روى النَّسائيُّ قال: أخبرني عبيد الله بن سعيد ثنا يحيى عن سفيان قال: حدَّثني أبو إسحاق عن ناجية بن كعب عن عليٍّ قال: قلت للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ عمَّك الشَّيخ الضَّال مات، فمن يواريه؟ قال: "اذهب فوار أباك، ولا تحدثنَّ حدثًا حتى تأتيني". فواريته، ثُمَّ جئت، فأمرني فاغتسلت، ودعا لي. والجواب: أنَّ هذا كان في أوَّل الإسلام. ز: رواه الإمام أحمد عن وكيع عن سفيان، وروى أبو داود عن [مسدَّد] عن يحيى بن سعيد عن سفيان. ورواه النَّسائيُّ أيضًا عن ابن مثنَّى عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاق. وسُئل الدَّارَقُطْنِيُّ عن هذا الحديث، فقال: رواه شعبة والثَّوريُّ وإسرائيل وشريك وزهير وقيس وورقاء وإبراهيم بن طهمان عن [أبي] إسحاق عن ناجية بن كعبٍ عن عليٍّ. وخالفهم الحسين بن واقد وأبو حمزة السُّكريُّ فروياه عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ، ووهما في ذكر الحارث. وذكر فيه من الاختلاف غير هذا، وقال: والمحفوظ قول الثَّوريِّ وشعبة ومن تابعهما عن [أبي] إسحاق عن ناجية بن كعب عن عليٍّ، وكذلك رواه فرات القزَّاز عن ناجية بن كعبٍ أيضًا. وروي نحوه عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عليٍّ. والله أعلم O.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يغسَّل، ولا يصلَّى عليه، إلا أن يستهلَّ. وقال الشَّافعيُّ: يغسل، وفي الصَّلاة عليه قولان. لنا حديثان: 1370- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا هاشم بن القاسم ثنا المبارك قال: أخبرني زياد بن جبير قال: أخبرني أبي عن المغيرة بن شعبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "والسّقط يصلَّى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرَّحمة". قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ. ز: روى هذا الحديث: أبو داود والترمذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه بنحوه، واختصره بعضهم، وقد روي موقوفًا، ورواه الحاكم وقال: على شرط البخاريِّ O. 1371- الحديث الثَّاني: قال ابن ماجه: ثنا هشام بن عمَّار ثنا البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلُّوا على أطفالكم، فإنَّهم من أفراطكم". قال الدَّارَقُطْنِيُّ: البختري ضعيفٌ، وأبوه مجهولٌ. احتجُّوا: 1372- بما روى التِّرمذيُّ: ثنا أبو عمَّار ثنا محمد بن يزيد عن إسماعيل ابن مسلم عن أبي الزُّبير عن جابر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الطِّفل لا يصلَّى عليه، ولا يورث، ولا يرث، حتى يستهلَّ". والجواب: أنَّ هذا لا يصحُّ، قال أحمد: إسماعيل بن مسلم منكر الحديث. وقال يحيى: ليس بشيءٍ، لم يزل مختلطًا. وقال ابن المدينيِّ: لا يكتب حديثه. وقال التِّرمذيُّ: قد روي مرفوعًا وموقوفًا، وكأنَّ الموقوف أصحُّ. ز: 1373- روى البيهقيُّ من رواية يحيى بن أبي طالب عن يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: إذا استهلَّ الصَّبيُّ وُرِّث، وصلِّي عليه. هكذا رواه موقوفًا، ثُمَّ رواه من رواية إسماعيل المكيِّ عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا، وقال: إسماعيل بن مسلم المكيُّ غيره أوثق منه. 1374- وروى النَّسائيُّ من رواية المغيرة بن مسلم عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا: "الصَّبيُّ إذا استهلَّ وُرِّث وصُلِّي عليه". ثُمَّ قال: وعند المغيرة بن مسلم عن أبي الزُّبير غير حديثٍ منكر. 1375- وروى الحاكم أبو عبد الله عن أحمد بن سلمان الفقيه عن هلال ابن العلاء الرَّقيِّ عن أبيه عن بقيَّة عن الأوزاعيِّ عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا: "إذا استهلَّ المولود صُلِّي عليه، ووَرِث ووُرِّث". 1376- وروى أبو القاسم الطَّبرانيُّ عن محمد بن عبد الرَّحيم الدِّيباجيِّ عن محمد بن أحمد بن أبي خلف عن إسحاق الأزرق عن سفيان عن أبي الزُّبير عن جابر مرفوعًا: "إذا استهلَّ الصَّبيُّ ورث ووُرِّث، وصُلِّي عليه". 1377- وروى ابن ماجه عن هشام بن عمَّار عن الرَّبيع بن بدر عن أبي الزُّبير عن جابر بن عبد الله مرفوعًا: "إذ استهلَّ الصَّبيُّ صُلِّي عليه وورث". والرَّبيع بن بدر: يعرف بـ " عُلَيلَة"، وقد ضعَّفوه، وقال النَّسائيُّ وغيره: متروك الحديث O.
وعنه يصلَّى [عليه]، وهو قول أبي حنيفة ومالك. لنا حديثان: 1378- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الرَّحمن بن كعب بن مالك أنَّ جابر بن عبد الله أخبره أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجمع بين الرَّجلين من قتلى أحدٍ في الثَّوب الواحد، ثُمَّ يقول: "أيُّهما أكثر أخذاً للقرآن؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد، وقال: "أنا شهيدٌ على هؤلاء يوم القيامة". وأمر بدفنهم في ثيابهم، ولم يصلِّ عليهم، ولم يُغسَّلوا. انفرد بإخراجه البخاريُّ. 1379- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: ثنا صفوان بن عيسى ثنا أسامة بن زيد عن الزُّهريِّ عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوم أحد يكفِّن الرَّجلين والثَّلاثة في الثَّوب الواحد، ودفنهم، ولم يصلِّ عليهم. ز: رواه أبو داود عن أحمد بن صالح وسليمان بن داود المَهْريِّ عن ابن وهب عن أسامة بن زيد. ورواه الحاكم من رواية ابن وهب أيضًا، وقال: على شرط مسلم. وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: يشبه أن يكون حديث أسامة بن زيد محفوظًا. وقال البخاريُّ- فيما حكاه عنه التِّرمذيُّ-: حديث عبد الرَّحمن بن كعب بن مالك عن جابر عبد الله هو حديثٌ حسنٌ، وحديث أسامة بن زيدٍ هو غير محفوظٍ، غلط فيه أسامة بن زيدٍ O. احتجُّوا: 1380- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا بندار ثنا ابن أبي عَدِيٍّ ثنا شعبة عن حصين عن أبي مالك قال: كان يجاء بقتلى أحد: تسعة وحمزة عاشرهم، فيصلِّي عليهم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يدفنون التِّسعة ويَدعون حمزة، ويجاء بتسعة وحمزة عاشرهم، فيصلِّي عليهم، فيرفعون التِّسعة ويدَعون حمزة. 1381- وقال أحمد بن محمد بن النَّقُّور: ثنا عيسى بن عليٍّ أنا البغويُّ ثنا محمد بن جعفر الوركانيُّ ثنا سعيد بن ميسرة عن أنس قال: كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلَّى على جنازة كبَّر عليها أربعًا، وأَنَّه كبَّر على حمزة سبعين تكبيرة. 1382- وقال ابن ماجه: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبو بكر بن عيَّاش عن يزيد بن أبي زياد عن مِقْسم عن ابن عباس قال: أُتي بهم رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد، فجعل يصلِّي على عشرة عشرة، وحمزة كما هو، يُرفعون وهو كما هو موضوع. ثُمَّ قد روي لنا أنَّه لم يصلِّ على غير حمزة: 1383- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عبد الملك بن أحمد الدَّقَّاق ثنا يعقوب الدَّورقيُّ ثنا عثمان بن عمر ثنا أسامة بن زيد عن الزُّهريِّ عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرَّ بحمزة، فكفنه بنمرة، ولم يصلِّ على أحدٍ من الشُّهداء غيره. فإن قيل: قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ: لم يقل هذه اللفظة غير عثمان بن عمر، وليست بمحفوظةٍ. قلنا: عثمان مخرَّج عنه في " الصَّحيحين "، والزِّيادة من الثِّقة مقبولةٌ. وأمَّا حديثهم الأوَّل: فإنَّ حصينًا ضعيفٌ، قال يزيد بن هارون: كان قد نسي. وقال النَّسائيُّ: تغيرَّ. وأمَّا الثَّاني: فقال البخاريُّ: سعيد بن ميسرة عنده مناكير. وقال ابن عَدِيٍّ: هو مظلم الأمر. وقال ابن حِبَّان: يروي الموضوعات. وأمَّا الثَّالث: ففيه يزيد بن أبي زياد، قال ابن المبارك: ارم به. وقال البخاريُّ: منكر الحديث، ذاهبٌ. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث. ز: حصين في الحديث الأوَّل: هو ابن عبد الرَّحمن الكوفيُّ، أحد الثِّقات المخرَّج لهم في " الصَّحيحين". والحديث مرسلٌ جيِّدٌ، قال البيهقيُّ: هو أصحُّ ما في هذا الباب. 1384- وقد رواه أبو داود في " المراسيل " عن محمد بن كثير عن سليمان- يعني: ابن كثير- عن حصين عن أبي مالك، ولفظه: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحمزة فوُضع، وجيئَ بتسعةٍ فوضعوا، فصلَّى عليهم سبع صلوات، حتى صلُّوا على سبعين رجلاً، وفيهم حمزة في كلِّ صلاة صلاَّها. وأبو مالك هو: الغفاريُّ، الكوفيُّ، واسمه: غزوان، وهو تابعيٌّ، روى عن جماعة من الصَّحابة، ووثَّقه يحيى بن معين وغيره. وحديث سعيد بن ميسرة عن أنس: لم يخرجوه، وسعيد متهمٌ بالوضع، قال الحاكم: روى عن أنس بن مالك أحاديث موضوعة، وكذَّبه يحيى بن سعيد القطَّان. وأخطأ ابن حِبَّان في قوله: (روى عنه يحيى القطَّان) فإنَّ الرَّاوي عنه إنَّما هو يحيى بن سعيد العطَّار الحمصيُّ، وهو شيخٌ متكلَّم فيه، يروي عن الضُّعفاء كثيرًا، ويحيى بن سعيد القطَّان أجلُّ قدرًا من أن يروي عنه، وقد كذَّبه هو وغيره. وحديث مِقْسم عن ابن عباس: من أفراد ابن ماجه، وقد قال البيهقيُّ: لا أحفظه إلا من حديث أبي بكر بن عيَّاش عن يزيد بن أبي زياد، وكانا غير حافظين. وقد وهم المؤلِّف في كلامه على يزيد بن أبي زياد، فإنَّ ما حكاه عن البخاريِّ والنَّسائيِّ إنما هو في يزيد بن زياد، وقال: ابن أبي زياد الشَّاميُّ الرَّاوي عن الزُّهريِّ، وهو ضعيفٌ بلا خلاف. وأمَّا راوي هذا الحديث فهو الكوفيُّ، ولا يقال فيه: ابن زياد، وهو ممَّن يكتب حديثه على لينه، وقد روى له مسلم مقرونًا بغيره، وروى له أصحاب السُّنن، وقال أبو داود: لا أعلم أحدًا ترك حديثه. وقد جعل المؤلِّف هذين الرَّجلين واحدًا في كتاب " الضُّعفاء "، وقد نبَّهنا على وهمه هناك، والله الموفق. وحديث الزُّهريِّ عن أنس: رواه أبو داود عن عباس العنبريِّ عن عثمان ابن عمر. ورواه الحاكم من رواية عثمان بن عمر وروح عن أسامة. 1385- وقد روى الحسن بن عمارة- وهو ضعيفٌ لا يحتجُّ بروايته- عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قتلى أحدٍ. 1386- وفي " الصَّحيح " من رواية عقبة بن عامر أَنَّه صلَّى عليهم بعد ثمان سنين كالمودِّع للأحياء والأموات. وفي لفظٍ: صلَّى عليهم صلاته على الميِّت O.
وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا يغسَّل. 1387- وقال محمد بن سعدٍ: لما قتل حنظلة بن أبي عامر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السَّماء والأرض، بماء المزن في صحاف الفضَّة". قال أبو أسيد السَّاعديُّ: فذهبنا، فنظرنا إليه، فإذا رأسه يقطر ماءً، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فأرسل إلى امرأته فسألها، فأخبرته أَنَّه خرج وهو جنبٌ. فولده يقال لهم: بنو غسيل الملائكة. ز: 1388- وروى محمد بن إسحاق في " المغازي " عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّ صاحبكم لتغسّله الملائكة- يعني حنظلة-، فاسألوا أهله: ما شأنه؟ " فسئلت صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لذلك غسَّلته الملائكة". 1389- وروى أبو شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: نظر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حنظلة الرَّاهب وحمزة بن عبد المطَّلب تغسلهما الملائكة. رواه البيهقيُّ، وقال: أبو شيبة ضعيفٌ O.
وقال أبو حنيفة: يستحب ذلك. 1390- قال البخاريُّ: ثنا إسماعيل قال: حدَّثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّن في ثلاثة أثواب بيض سحوليَّة، ليس قميص ولا عمامة. أخرجاه في " الصَّحيحين". 1391- وقال التِّرمذيُّ: ثنا قتيبة ثنا حفص بن غِياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كُفِّن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثلاثة أثواب بيض يمانيَة، ليس فيها قميصٌ ولا عمامة. قال: فذكروا لعائشة قولهم: في ثوبين وبرد حبرة. قالت: قد أتي بالبرد، ولكنَّهم ردُّوه، لم يكفِّنوه فيه. قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ صحيحٌ، وهو أصحُّ الرِّوايات في كفن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال أبو حنيفة: ثوبان وحبَرة. لنا ثلاثة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث عائشة المتقدِّم. 1392- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عليُّ بن عاصم أنا عبد الله بن عثمان بن خُثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنَّها من خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها موتاكم". ز: رواه أبو داود والتِّرمذيُّ- وقال: حسنٌ صحيحٌ- وابن ماجه والحاكم وقال: على شرط مسلمٍ O. 1393- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدَّثني حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن سمرة بن جندب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "البسوا الثِّياب البيض، فإنَّها أطهر وأطيب، وكفِّنوا فيها موتاكم". قال التِّرمذيُّ: الحديثان صحيحان. ز: رواه التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ والحاكم وصحَّحه، ورواه ابن ماجه ولم يقل: وكفِّنوا فيها موتاكم O.
وقال أبو حنيفة: لا يكره. لنا: قوله: "خير ثيابكم البياض".
وقال أبو حنيفة: خلفها أفضل بكلِّ حالٍ. وقال الشَّافعيُّ: أمامها بكلِّ حالٍ. 1394- قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه أَنَّه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة. هذا إسنادٌ صحيحٌ. فإن قالوا: قال التِّرمذيُّ: قد رواه جماعة من الحفَّاظ عن الزُّهريِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمرسل أصحُّ. قلنا: الرَّاوي قد يسند الحديث وقد يرسله، ومن رواه مرفوعًا فقد أتى بزيادة على من أرسل، فوجب تقديم قوله. ز: روى هذا الحديث: أبو داود والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه وغيرهم. 1395- وقال الطََّبرانيُّ: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدَّثني أبي ثنا حجَّاج بن محمد قال: قرأت على ابن جريج: ثنا زياد بن سعد أنَّ ابن شهاب أخبره: حدَّثني سالم عن ابن عمر أنَّه كان يمشي بين يدي الجنازة، وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر يمشون أمامها. قال أبي: هذا الحديث: (وأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ) إنَّما هو عن الزُّهريِّ مرسلٌ، وحديث سالم فعل ابن عمر، وحديث ابن عيينة كأنَّه وهمٌ. ورواه أبو حاتم البستيُّ من رواية سفيان عن الزُّهريِّ، ثُمَّ قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنَّ هذا الحديث أخطأ فيه سفيان. ورواه عن محمد ابن عبيد الله بن الفضل الكلاعيِّ عن عمرو بن عثمان بن سعيد عن أبيه عن شعيب بن أبي حمزة عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه، وفيه ذكر عثمان. وقال النَّسائيُّ في هذا الحديث: والصَّواب مرسلٌ. وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فذكر فيه كلامًا كثيرًا واختلافًا، وذكر رواية شعيب ابن أبي حمزة وغيره عن الزُّهريِّ، ثُمَّ قال: والصَّحيح عن الزُّهريِّ قول من قال: عن سالم عن أبيه أنَّه كان يمشي، وقد مشى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر. وقال أيضًا: وروي عن شريك عن خالد بن ذؤيب عن الزُّهريِّ: رأيت ابن عمر يمشي أمام الجنازة. قال: والزُّهريُّ وإن كان لقي ابن عمر، فإنَّ هذا القول وهمٌ، لأنَّ الحفَّاظ رووه عن الزُّهريِّ عن سالم أنَّه رأى ابن عمر، وهو الصَّواب. 1396- وروى المغيرة بن شعبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: "الرَّاكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي أمامها قريبًا منها، عن يمينها أو عن يسارها". رواه الإمام أحمد وأصحاب " السُّنن " والحاكم وقال: على شرط البخاريِّ O. احتجُّوا بخمسة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث كعب بن مالك، وقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّك إذا كنت أمامها لم تكن معها". وقد سبق بإسناده آنفًا. 1397- الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: ثنا أبو كامل ثنا زهير ثنا يحيى الجابر عن أبي ماجد عن عبد الله بن مسعود قال: سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المشي خلف الجنازة، فقال: "الجنازة متبوعةٌ ولا تَتْبع، ليس منَّا من تقدَّمها". 1398- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا عبد الواحد الحدَّاد ثنا سعيد ابن عبيد الله الثَّقفيُّ عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرَّاكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها". 1399- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا يزيد ثنا حمَّاد بن سلمة عن يعلى بن عطاء بن عبد الله بن يسار أنَّ عمرو بن حريث قال لعليٍّ: كيف تقول في المشي مع الجنازة؟ فقال عليٌّ: إنَّ فضل المشي خلفها على بين يديها كفضل صلاة المكتوبة في جماعة على الوحدة. قال عمرو: فإنِّي رأيت أبا بكر وعمر يمشيان أمام الجنازة. قال عليٌّ: إنَّهما كرها أن يحرجا النَّاس. 1400- طريقٌ آخر: قال ابن شاهين: ثنا الحسين بن القاسم ثنا عليُّ ابن حرب ثنا المحاربيُّ ثنا مطرح أبو المهلب عن عبيد الله بن زحر عن عليِّ بن يزيد عن القاسم عن أبي سعيد قال: قلت لعليِّ بن أبي طالب: المشي أمام الجنازة أفضل؟ فقال: إنَّ فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلاة المكتوبة على التَّطوُّع. قلت: برأيك تقول؟ قال: بل سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مرَّة، ولا مرَّتين. حتى بلغ سبع مرَّات. 1401- الحديث الخامس: قال أحمد: ثنا أبو سعيد ثنا حرب ثنا يحيى ثنا باب بن عمير قال: حدَّثني رجلٌ من أهل المدينة أنَّ أباه أخبره عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تتبع الجنازة بصوتٍ، ولا يمشى بين يديها". والجواب: أمَّا حديث كعب: ففيه أبو معشر، وقد ضعَّفه يحيى. وقال النَّسائيُّ: ليس إسناده بشيءٍ. وأمَّا حديث ابن مسعود: ففيه يحيى الجابر، قال يحيى بن معين: ليس بشيءٍ. وقال ابن حِبَّان: يروي المناكير، لا يجوز الاحتجاج به بحالٍ. قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وأبو ماجد مجهولٌ. وأمَّا حديث المغيرة: فقد صحَّحه التِّرمذيُّ، وغايته الجواز لا المسنون، على أنَّه قد روي بلفظٍ آخر يقوِّي ما نقول: 1402- قال الإمام أحمد: ثنا هاشم بن القاسم ثنا المبارك قال: أخبرني زياد بن جبير قال: أخبرني أبي عن المغيرة بن شعبة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الرَّاكب خلف الجنازة، والماشي أمامها قريبًا، عن يمينها، أو عن يسارها". وأمَّا حديث عمرو بن حريث: فإنَّه رأي لعليٍّ عليه السَّلام لا رواية. وأمَّا حديث أبي سعيد عنه: فحديثٌ باطلٌ، في إسناده جماعة متروكون، قال يحيى بن معين: مطََّرح، ليس بشيءٍ، ولا عبيد الله بن زحر. وقال النَّسائيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ: عليُّ بن يزيد متروكٌ. وقال أبو حاتم ابن حِبَّان: القاسم كان يروي عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المعضلات، فإذا اجتمع في إسناد خبرٍ: عبيد الله بن زحر وعليُّ بن يزيد والقاسم لم يكن ذلك الخبر إلا ممَّا عملته أيديهم. وأمَّا حديث أبي هريرة: ففيه رجلان مجهولان. ز: حديث كعب: لا يصحُّ كما تقدَّم، لكنَّ المؤلِّف احتجَّ به ثُمَّ ضعَّفه! وحديث أبي ماجد عن ابن مسعود: رواه أبو داود وابن ماجه والتِّرمذيُّ وقال: غريبٌ، وسمعت محمد بن إسماعيل يضعِّف حديث أبي ماجدٍ هذا. وقال البيهقيُّ: هو حديثٌ ضعيفٌ، يحيى بن عبد الله الجابر ضعيفٌ، وأبو ماجدة- وقيل: أبو ماجد- مجهولٌ. وقال البرقانيُّ: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو ماجد- وقيل: أبو ماجدة- عن ابن مسعود، مجهولٌ متروكٌ. وقال البخاريُّ: قال الحميديُّ عن ابن عيينة قال: قلت ليحيى الجابر: من أبو ماجد؟ قال: طار طيرٌ علينا فحدَّثنا. وهو منكر الحديث. وقال التِّرمذيُّ: أبو ماجد رجلٌ مجهولٌ. وأمَّا حديث المغيرة: فقد رووه في " السُّنن " بطرقٍ، وفي لفظه اختلاف. وأمَّا [حديث] عمرو بن حريث عن عليٍّ: فإنَّه مختصرٌ من حديثٍ فيه طولٌ، روى ابن حِبَّان البُستيُّ بعضه، ورواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " عن النَّضر [بن] شميل عن حمَّاد بن سلمة. وأمَّا حديث أبي هريرة: فرواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن عبد الصَّمد، وعن ابن مثنى عن أبي داود، جميعًا عن حرب بن شدَّاد عن يحيى ابن أبي كثير عن باب بن عمير. وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فذكر الاختلاف فيه، ثُمَّ قال: وقول حرب بن شدَّاد أشبه بالصَّواب O.
وقال الشَّافعيُّ في الجديد: الولي. لنا: حديث أبي مسعود عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يُؤمُّ الرَّجلُ في سلطانه". وقد سبق بإسناده في مسألة تقديم القارئ على الفقيه.
1403- قال أحمد: ثنا وكيع وعبد الرَّحمن بن مهديِّ قالا: ثنا موسى ابن عُلَيِّ بن رباح اللخميُّ قال: سمعتُ أبي يقول: سمعتُ عقبة بن عامر يقول: ثلاث ساعات كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهانا أن نصلِّي فيهنَّ، وأن نقبر فيهنَّ موتانا: حين تطلع الشَّمس بازغة حتى ترتفع، وعند قيام الظَّهيرة حتى تميل الشَّمس، وحين تضيَّف للغروب حتى تغرب. انفرد بإخراجه مسلم.
وقال أبو حنيفة ومالك: تكره. 1404- قال أحمد: ثنا يونس ثنا فليح عن صالح بن عجلان عن عبَّاد ابن عبد الله بن الزُّبير عن عائشة قالت: لمَّا توفِّي سعدٌ وأتي بجنازته- أمرت بها عائشة أن يمرَّ به عليها-، فمُرَّ به في المسجد، فدعت له، فأنكر ذلك عليها، فقالت: ما أسرع النَّاس إلى القول؟! ما صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابن بيضاء إلا في المسجد. انفرد بإخراجه مسلمٌ. ز: 1405- قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام ابن عروة عن أبيه قال: صُلِّي على أبي بكر في المسجد. 1406- وقال: ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: صُلِّي على عمر في المسجد. 1407- وعن إسماعيل بن أبان الغنويِّ عن هشام عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ترك أبو بكر دينارًا ولا درهمًا، ودفن ليلة الثُّلاثاء، وصُلِّي عليه في المسجد. رواه البيهقيُّ، وقال: إسماعيل الغنويُّ متروكٌ. 1408- وروى من رواية عبد الله بن الوليد عن سفيان الثَّوريِّ عن هشام بن عروة عن أبيه أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه صُلِّي عليه في المسجد. 1409- وروى من رواية وهيب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ عمر رضي الله عنه صُلِّي عليه في المسجد، وصلَّى عليه صهيب O. احتجُّوا: 1410- بما روى أحمد: ثنا وكيع ثنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التَّوأمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من صلَّى على جنازةٍ في المسجد فليس له شيءٌ". والجواب: أنَّ صالحًا مجروحٌ، كان شعبة لا يروي عنه، وينهى عنه، وقال مالكٌ ويحيى: ليس بثقةٍ. وقال ابن حِبَّان: تغيَّر، فجعل يأتي بالأشياء التي تشبه الموضوعات عن الثِّقات، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميَّز، فاستحقَّ التَّرك. ز: روى هذا الحديث أبو داود عن مسدَّد عن يحيى عن ابن أبي ذئب، ورواه ابن ماجه عن عليِّ بن محمد عن وكيع. وصالح بن نبهان مولى التوأمة: قال يحيى بن معين: هو ثقةٌ حُجَّةٌ، وابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرِّف. وقال الجوزجانيُّ: تغيَّر أخيرًا، فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول، لسنِّه وسماعِه القديم عنه. وقال أبو زرعة والنَّسائيُّ وغيرهما: ضعيفٌ. وقال ابن عَدِيٍّ: لا بأس به، وبرواياته، وحديثه. وقال أبو عمر بن عبد البرِّ: من أهل العلم من لا يحتجُّ بحديثه أصلاً لضعفه، ومنهم من يقبل منه ما رواه ابن أبي ذئب خاصةً. وقال البيهقيُّ في هذا الحديث: رواه جماعة عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة، وهو ممَّا يعدُّ في أفراد صالح، وحديث عائشة رضي الله عنها أصحُّ منه، وصالح مولى التوأمة مختلفٌ في عدالته، كان مالك بن أنس يجرحه. وقال أبو زكريَّا النَّواويُّ: أجابوا عن هذا الحديث بأجوبة: أحدها: أنَّه ضعيف لا يصحُّ الاحتجاج به، قال أحمد بن حنبل: هذا حديثٌ ضعيفٌ، تفرَّد به صالح مولى التوأمة، وهو ضعيفٌ. والثَّاني: أنَّ الَّذي في النُّسخ المشهورة المحقَّقة المسموعة من " سنن أبي داود ": "من صلَّى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه "، فلا حُجَّة فيه حينئذٍ. الثَّالث: أنَّه لو ثبت الحديث، وثبت أَنَّه: "فلا شيء له " لوجب تأويله على: "فلا شيء عليه"، ليجمع بين الرِّوايتين، وبين هذا الحديث وحديث سهيل بن بيضاء، وقد جاء (له) بمعنى (عليه)، كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]. الرَّابع: أنَّه محمولٌ على نقص الأجر في حقِّ من صلَّى في المسجد ورجع، ولم يشيِّعها إلى المقبرة، لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه، والله أعلم O.
وقال أبو حنيفة: بحذاء صدرها. وقال مالك: عند وسط الرَّجل ومنكب المرأة. وقال الشَّافعيُّ كقولنا في المرأة، واختلف أصحابه في الرَّجل: فقال بعضهم كقولنا، وبعضهم: عند رأسه. لنا حديثان: 1411- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا عبد الله بن منير عن سعيد ابن عامر عن همَّام عن أبي غالب قال: صلَّيت مع أنس بن مالك على جنازة رجلٍ، فقام حيال رأسه، ثُمَّ جاءوا بجنازة امرأة، فقام حيال وسط السَّرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرَّجل مقامك منه؟ قال: نعم. فلمَّا فرغ، قال: احفظوا. ز: رواه الإمام أحمد بن حنبل وأحمد بن منيع جميعًا عن يزيد بن هارون عن همَّام، ورواه أبو داود عن داود بن معاذ عن عبد الوارث عن نافع أبي غالب، ورواه ابن ماجه عن نصر بن عليٍّ عن سعيد بن عامر. وقد رواه عبد الرَّحمن بن أبي الصَّهباء عن نافع أيضًا. وقد تكلَّم بعضهم في نافع أبي غالب، وهو الباهليُّ، الخيَّاط، البصريُّ، وقال يحيى بن معين: هو صالحٌ. وقال أبو حاتم الرَّازيُّ: شيخٌ. وذكره ابن حِبَّان في كتاب " الثِّقات " O. 1412- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَّمد ثنا حسين المعلِّم ثنا عبد الله بن بريدة أنَّه سمع سمرة بن جندب يقول: صلَّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمِّ كعب- ماتت نفساء-، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصَّلاة عليها وسطها. أخرجاه في " الصَّحيحين".
1413- قال أحمد: ثنا هشيم أنا يونس عن أبي قلابة عن أبي المهلَّب عن عمران بن حصين أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّ أخاكم النجاشيَّ قد مات، فصلُّوا عليه". فقام فصفَّنا خلفه، فصلَّى عليه. انفرد بإخراجه مسلمٌ. ز: قد أخرج البخاريُّ ومسلمٌ في " صحيحيهما " من حديث جابر وأبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على النَّجاشيِّ. وقد يقال: لا حُجَّة في هذا على جواز الصَّلاة على الغائب بالنِّيَّة مطلقًا، لاحتمال أن يكون النَّجاشيُّ لم يُصلَّ عليه بالحبشة. وفي المسألة ثلاثة أقوال أعدلها الصَّلاة عليه إذا لم يكن قد صُلِّي عليه، والله أعلم O.
وقد قال أبو حنيفة: لا تقرأ، ولكن يذكر الله ويثنى عليه في الأولى. لنا حديثان: 1414- الحديث الأوَّل: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله بن عوف أنَّ ابن عباس صلَّى على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، فقلت له، فقال: إنَّه من السُّنَّة- أو من تمام السُّنَّة-. 1415- قال التِّرمذيُّ: وثنا أحمد بن منيع ثنا زيد بن الحبُاب أنا إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مِقْسم عن ابن عباس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب. 1416- الحديث الثَّاني: قال ابن ماجه: ثنا إبراهيم بن المستمر ثنا أبو عاصم ثنا حمَّاد بن جعفر العبديُّ قال: حدَّثني شَهْر بن حَوْشب قال: حدَّثتني أمُّ شَريك الأنصاريَّة قالت: أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب. أمَّا حديث ابن عباس الأوَّل: فعليه الاعتماد، قد صحَّحه التِّرمذيُّ. وأمَّا حديثه الثَّاني: فلا يثبت، لأنَّ فيه إبراهيم بن عثمان، وقد كذَّبه شعبة، وقال ابن المبارك: إرم به. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث. وأمَّا حديث أمِّ شَريك: ففيه شَهْر، وقد ضعَّفوه. ز: حديث ابن عباس الأوَّل: رواه البخاريُّ وأبو داود والنَّسائيُّ والحاكم وقال: على شرطهما. وحديثه الثَّاني: رواه ابن ماجه أيضًا عن أحمد بن منيع، وقال التِّرمذيُّ: ليس إسناده بذاك القويِّ، إبراهيم بن عثمان هو: أبو شيبة الواسطيُّ، منكر الحديث. وحديث أمِّ شريك: انفرد ابن ماجه بإخراجه. وحمَّاد بن جعفر العبديُّ البصريُّ: قال يحيى بن معين: ثقةٌ. وذكره ابن حِبَّان في " الثِّقات "، وقال ابن عَدِيٍّ: منكر الحديث. وروى هذا الحديث من رواية أبي عاصم النَّبيل ومرزوق أبي عبد الله الشَّامي عن حمَّاد عن شَهْر بن حَوْشب، وروى له حديثًا آخر، وقال: لم أجد لحمَّاد بن جعفر غير هذين الحديثين. وقال شيخنا أبو الحجَّاج في هذا الحديث: رواه حمَّاد بن بشير الجهضميُّ وأبو عبيدة الحدَّاد عن مرزوق أبي عبد الله الشَّامي عن شَهْر. وروى عبد المنعم السَّقاء عن الصَّلت بن دينار عن أبي يزيد المدنيِّ عن امرأة منهم- يقال لها: ابنة عفيف- عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله. وفي قول المؤلِّف: (وأمَّا حديث أمِّ شريك: ففيه شهر، وقد ضعَّفوه) نظرٌ، فإنَّ شهرًا لم يضعِّفه الكلُّ، بل ضعَّفه جماعةٌ، ووثَّقه آخرون، وممَّن وثَّقه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ويعقوب بن شيبة وأحمد بن عبد الله العجليُّ، والله أعلم. 1417- وقال الشَّافعيُّ: ثنا إبراهيم بن أبي يحيى ثنا عبد الله بن محمد ابن عقيل عن جابر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبِّر على جنائزنا أربعًا، ويقرأ بفاتحة الكتاب في الأولى. 1418- وروى الشَّافعيُّ أيضًا من حديث أبي أمامة بن سهلٍ أنَّه أخبره رجلٌ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ السُّنَّة في الصَّلاة على الجنازة أن يكبِّر الإمام، ثُمَّ يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التَّكبيرة الأولى، سرًّا في نفسه، ثُمَّ يصلِّي على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويخلص الدُّعاء للجنازة في التَّكبيرات، لا يقرأ في شيءٍ منهن، ثُمَّ يسلِّم سرًّا في نفسه. 1419- وروى البخاريُّ في " تاريخه " من رواية فضالة بن أبي أميَّة قال: قرأ الَّذي صلَّى على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بفاتحة الكتاب. وقد ذكر ابن أبي حاتم في " كتابه " فضالة، وذكر له هذا الحديث، وقال: هو والد المبارك O.
وعنه: يجب ذلك، وبه قال أكثرهم. 1420- روى أصحابنا من حديث عائشة أنَّها قالت: يا رسول الله، إنِّي أصلِّي على الجنازة، ويخفى عليَّ بعض التَّكبير؟ فقال: "ما سمعت فكبِّري، ومافاتك فلا قضاء عليك". ويحتج الخصم: بقوله عليه السَّلام: "وما فاتكم فاقضوا". وهو احتجاجٌ حسنٌ، إلا أنَّا نحمله على المفروضات غير الجنازة.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا تعاد الصَّلاة إلا أن يكون الوليُّ حاضرًا، فيصلِّي غيره. لنا أربعة أحاديث: 1421- الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد ابن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أنَّ رجلاً أسودَ- أو: امرأة سوداء- كان يقمُّ المسجد فمات، فسأل عنه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: مات. فقال: "أفلا كنتم آذنتموني به؟! دلُّوني على قبره- أو قال: قبرها-". فأتى قبره، فصلَّى عليه. أخرجاه في " الصَّحيحين". 1422- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا أبو معاوية ثنا الشَّيبانيُّ عن الشَّعبيِّ عن ابن عباس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبرٍ بعد ما دفن. 1423- طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا ابن صاعد ثنا عَبْدَة بن عبد الله الصَّفَّار ثنا يزيد بن هارون أنا شَريك عن أبي إسحاق عن الشَّعبيِّ عن ابن عباس قال: أبصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبرًا حديثًا، فقال: "إلا آذنتموني بهذا؟ " قالوا: كنت نائمًا، فكرهنا أن نوقظك. فقام، فصلَّى عليه، فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه. 1424- طريقٌ آخر: قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن منيع ثنا هُشيم ثنا الشَّيبانيُّ أنا الشَّعبيُّ قال: أخبرني من رأى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى قبرًا منتبذًا، فصفَّ أصحابه، فصلَّى عليه. قيل له: من أخبرك؟ فقال: ابن عباس. 1425- الحديث الثَّالث: قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حبيب بن الشَّهيد عن ثابت عن أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبر امرأة قد دفنت. 1426- الحديث الرَّابع: قال التِّرمذيُّ: ثنا محمد بن بشَّار ثنا يحيى ابن سعيد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب أنَّ أمَّ سعدٍ ماتت والنَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غائبٌ، فلمَّا قدم صلَّى عليها، وقد مضى لذلك شهرٌ. ز: حديث ابن عباس: أخرجاه في " الصَّحيحين". 1427- قال مسلمٌ: ثنا حسن بن الرَّبيع ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا: ثنا عبد الله بن إدريس عن الشَّيبانيِّ عن الشَّعبيِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبرٍ بعد ما دفن، فكبَّر عليه أربعًا. قال الشيبانيُّ: فقلت للشَّعبيِّ: من حدَّثك بهذا؟ قال: الثِّقة عبد الله بن عباس. هذا لفظ حديث حسن، وفي رواية ابن نمير: قال: انتهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قبرٍ، فصلَّى عليه، وصلُّوا خلفه، وكبر أربعًا. قلت لعامر: من حدَّثك؟ قال: الثِّقة من شهده ابن عباس. ورواه البخاريُّ من رواية شعبة وأبي معاوية وجماعة عن أبي إسحاق الشَّيبانيِّ. وأمَّا حديث أنس: فرواه مسلمٌ في " صحيحه " فقال: 1428- حدَّثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة السَّاميُّ ثنا غُنْدر ثنا شعبة عن حبيب بن الشَّهيد عن ثابت عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى على قبرٍ. ورواه ابن ماجه عن عباس بن عبد العظيم العنبريِّ ومحمد بن يحيى الذُّهْليِّ كلاهما عن أحمد بن حنبل، وزاد: بعد ما دفن. وأمَّا حديث سعيد بن المسيّب: فمرسلٌ صحيحٌ، وهو من أفراد التِّرمذيُّ. 1429- وقد رواه سويد بن سعيد عن يزيد بن زريع عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس موصولاً، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هذه وهذه في الدِّية سواء- يعني: الخنصر والإبهام-". فقيل له: لو صلَّيت على أمِّ سعدٍ. فصلى عليها، وقد أتى لها شهرٌ، وقد كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غائبًا. قال البيهقيُّ: وهذا الكلام في صلاته على أمِّ سعد في هذا الإسناد يتفرَّد به سويد بن سعيد، والمشهور عن قتادة عن ابن المسيّب عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. وحكى أبو داود أنه قيل لأحمد بن حنبل: حدَّث به سويد عن يزيد. قال: لا تحدِّث بمثل هذا O. احتجَّ أبو زيد: 1430- بما روي أنَّ عمر أتي بجنازة قد صلَّى عليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأراد أن يُصلِّي عليها ثانيًا، فأخبره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ الصَّلاة على الجنازة لا تعاد. وهذا شيءٌ لا يعرف.
لنا حديثان: 1431- الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهنيِّ أنَّ رجلاً من أشجع من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي يوم خيير، فذكر ذلك للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "صلُّوا على صاحبكم". فتغيَّرت وجوه النَّاس من ذلك، فقال: "إنَّ صاحبكم غلَّ في سبيل الله". ففتَّشنا متاعه، فوجدنا خرزًا من خرز يهود، ما يساوي درهمين! ز: رواه أبو داود وابن ماجه والنَّسائيُّ والحاكم وقال: أبو عمرة جهنيٌّ، صدوقٌ. واحتجَّ به الإمام أحمد O. 1432- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا أبو كامل ثنا شَريك عن سِماك عن جابر بن سمرة أنَّ رجلاً قتل نفسه، فلم يصلِّ عليه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ز: رواه التِّرمذيُّ عن يوسف بن عيسى عن وكيع عن إسرائيل وشَريك كلاهما عن سِماك، وقال: حسنٌ. ورواه ابن ماجه عن عبد الله بن عامر بن زرارة عن شَريك أتمَّ منه. ورواه الحاكم من رواية إسرائيل عن سِماك، وقال: على شرط مسلم. 1433- وروى من رواية بكر بن بكَّار ثنا شَريك ثنا سِماك عن جابر: مات رجلٌ على عهد النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتاه رجلٌ، فقال: مات فلان. قال: "لم يمت". ثمَّ أتاه الثَّانية، فقال: مات فلان. فقال: "لم يمت". ثُمَّ أتاه الثَّالثة، فقال: مات. فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كيف مات؟ " قال: قتل نفسه بمشقص كان معه. فلم يصلِّ عليه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ O. 1434- طريقٌ آخر: قال النَّسائيُّ: أنا إسحاق بن منصور أنا أبو الوليد ثنا أبو خيثمة زهير ثنا سماك عن جابر بن سمرة أنَّ رجلاً قتل نفسه بمشاقص، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمَّا أنا فلا أصلِّي عليه". ز: 1435- رواه مسلم في " صحيحه " فقال: حدَّثنا عون بن سلاَّم الكوفيُّ أنا زهير عن سِماك عن جابر بن سمرة قال: أُتي النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ قتل نفسه بمشاقص، فلم يصلِّ عليه O.
وقال مالك: لا يُصلِّي عليه. 1436- قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلَّب عن عمران بن حصين أنَّ امرأةً من جهينة اعترفت عند النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزنًا، وقالت: أنا حبلى. فدعا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليَّها، فقال: "أحسن إليها، فإذا وضعت فأخبرني". ففعل، فأمر بها النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشُكَّت عليها ثيابها، ثُمَّ أمر برجمها، فرجمت، ثُمَّ صلَّى عليها، فقال عمر ابن الخطَّاب: يا رسول الله، رجمتَها، ثُمَّ تُصلِّي عليها؟! فقال: "لقد تابت توبةً لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت شيئًا أفضل من أن جادت بنفسها لله تبارك وتعالى؟!". انفرد بإخراجه مسلمٌ. احتجُّوا: 1437- بما روى أبو داود: ثنا أبو كامل ثنا أبو عوانة عن أبي بشر قال: حدَّثني نفرٌ من أهل البصرة عن أبي بَرْزة الأسلميِّ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يصلِّ على ماعز بن مالك، ولم ينه عن الصَّلاة عليه. والجواب: أن هذا الحديث يرويه مجاهيل، ثُمَّ لو صحَّ فصلاته على تلك المرأة كانت بعد ذلك، لأنَّ أوَّل مرجوم كان ماعز، ولهذا قالت له: تريد أن تردني كما رددت ماعزًا. ز: انفرد أبو داود برواية هذا الحديث. وقال الإمام أحمد: ما نعلم أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك الصَّلاة على أحدٍ، إلا على الغالِّ وقاتل نفسه. 1438- وعن جابر أنَّ رجلاً من أسلم جاء إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاعترف بالزِّنا، وأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع مرَّات، فقال له: "أبك جنونٌ؟ " قال: لا. قال: "آحصنت؟". قال: نعم. فأمر به فرجم بالمصلَّى، فلمَّا أذلقته الحجارة فرَّ، فأُدرك فرجم حتى مات. فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرًا، وصلَّى عليه. رواه البخاريُّ في " صحيحه". ورواه أحمد وأبو داود والنَّسائيُّ والتِّرمذيُّ وصحَّحه، وقالوا: ولم يصلِّ عليه. قال بعض العلماء: ورواية الإثبات أولى. وخالفه غيره، والله أعلم بالصوَّاب. ورواية الإثبات رواها البخاريُّ عن محمود عن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن جابر، وقال: لم يقل يونس وابن جريج عن الزُّهريِّ: (فصلَّى عليه). وسئل عن قوله: (فصلَّى عليه) يصحُّ؟ قال: رواه معمر. قيل له: رواه غير معمر؟ قال: لا. ورواه التِّرمذيُّ عن الحسن بن عليٍّ الخلاَّل عن عبد الرَّزَّاق عن معمر عن الزُّهريِّ وفيه: (ولم يصلِّ عليه). فقد اختلف على عبد الرَّزَّاق عن معمر، وكذلك رواه النَّسائيُّ عن محمد ابن يحيى ونوح بن حبيب عن عبد الرَّزَّاق كرواية التِّرمذيِّ، وكذلك رواه إسحاق بن راهويه وغيره عن عبد الرَّزَّاق. وقال البيهقيُّ: رواية محمود بن غيلان خطأٌ، لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه، ثُمَّ إجماع أصحاب الزُّهريِّ على خلافه O.
وقال الشَّافعيُّ: تسطيحها. لنا: أنَّ قبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسنَّمٌ. 1439- روى البخاريُّ في " صحيحه " من حديث أبي بكر بن عيَّاش عن سفيان التَّمَّار قال: رأيت قبر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسنَّمًا. 1440- وقال أبو داود: ثنا محمد بن العلاء أنَّ أبا بكر بن عيَّاش حدَّثهم: ثنا صالح بن أبي صالح قال: رأيت قبر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبرًا- أو نحوًا من شبر-. 1441- قال أبو داود: ثنا محمد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن ثنا سفيان عن أبي حصين عن الشَّعبيِّ قال: رأيت قبور الشُّهداء مسنَّمة. احتجُّوا بثلاثة أحاديث: 1442- الحديث الأوَّل: قال أحمد: ثنا وكيع ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهيَّاج قال: قال لي عليٌّ: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيته. 1443- الحديث الثَّاني: قال أحمد: وثنا عبد الرَّزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزُّبير عن جابر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى أن يقعد على القبر، وأن يُقَصَّص أو يبنى عليه. 1444- الحديث الثَّالث: قال مسلم بن الحجَّاج: حدَّثني أبو الطَّاهر أحمد بن عمرو ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أنَّ أبا عليٍّ الهمداني حدَّثه قال: كنَّا مع فضالة بن عُبيد برُودس، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسُوِّي، ثُمَّ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بتسويتها. انفرد بإخراج هذه الأحاديث الثَّلاثة مسلمٌ. والجواب: أنَّ هذا محمولٌ على ما كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء المستحسن العالي، وبيانه: 1445- ما رواه البخاريُّ: ثنا إسماعيل قال: حدَّثني مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: لمَّا اشتكى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت له بعض نسائه كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وكانت أمُّ سلمة وأمُّ حبيبة أتتا أرض الحبشة، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فقال: "أولئك إذا مات منهم الرُّجل الصالح، بنوا على قبره مسجدًا، ثُمَّ صوَّروا فيه تلك الصُّور، وأولئك شرار الخلق عند الله تعالى".
وقال أبو حنيفة: لا تطيَّن. لنا حديثان: 1446- الحديث الأوَّل: قال أبو داود: ثنا عبد الله بن مسلمة أنَّ عبد العزيز بن محمد حدَّثهم عن عبد الله بن محمد بن عمر عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رشَّ على قبر إبراهيم عليه السَّلام، وأنَّه قال حين دفن وفرغ منه: "سلامٌ عليكم". 1447- وقال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد الدَّراورديُّ عن جعفر بن محمد عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُشَّ على قبره، وجُعل عليه حصباء من حصباء الغابة، ورُفع قدر شبرٍ. ز: الحديثان منقطعان، وليس فيهما دليلٌ على المسألة، والله أعلم O.
1448- قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون أنا أسود بن شيبان عن خالد بن سُمير عن بشير بن نَهيِك عن بشير بن الخَصَاصِية قال: كنت أماشي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتينا على قبور المشركين، فقال: "لقد سبق هؤلاء خيرًا كثيرًا " ثلاث مرَّات. ثُمَّ أتينا على قبور المسلمين، فقال: "لقد أدرك هؤلاء خيرًا كثيرًا " ثلاث مرَّات. فبصر برجلٍ يمشي بين المقابر في نعليه، فقال: "ويحك يا صاحب السِّبْتِيَّتَيْنِ! الق سِبْتِيَّتَيْك " مرَّتين أو ثلاثًا. فنظر الرَّجل، فلمَّا رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلع نعليه. ز: رواه أبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجه والحاكم وصحَّحه. وقال الإمام أحمد: إسناده جيِّدٌ. وقال ابن ماجه: ثنا محمد بن بشَّار ثنا عبد الرَّحمن بن مهديٍّ قال: كان عبد الله بن عثمان يقول: حديثٌ جيدٌ، ورجلٌ ثقةٌ. وخالد بن سُمير: وثَّقه النَّسائيُّ وابن حِبَّان، ولم يرو عنه غير الأسود بن شيبان. والأسود: وثَّقه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وروى له مسلمٌ في " صحيحه "، وقال الإمام أحمد: كان من عباد الله الصَّالحين، وكان يحجُّ على ناقة، فلا يتزوَّد شيئًا، يشرب من لبنها حتى يرجع! وقال الأثرم: قال لي أبو عبد الله: الأسود بن شيبان ثقةٌ ثقةٌ، وبشير بن نهيك روى عنه عدَّةٌ. قلت: روى عنه النَّضر بن أنس وأبو مجلز وبركة؟ قال: نعم. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت بعض المشايخ- وأظنُّه أبي- يقول: كان يزيد بن زريع في جنازة، فأراد أن يدخل المقابر، فوقف، فقال: حديثٌ حسنٌ، وشيخٌ ثقةٌ. وخلع نعليه ودخل O.
وقال مالك: لا يكره. لنا أربعة أحاديث: الحديث الأوَّل: حديث جابر المتقدِّم. 1449- الحديث الثَّاني: قال أحمد: ثنا عبد الصَّمد أنا حمَّاد قال: حدَّثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لأن يجلس أحدكم على جمرةٍ تحرق ثيابه، وتخلص إليه، خيرًا له من أن يطأ على قبر". 1450- طريقٌ آخر: قال أحمد: وثنا وكيع ثنا سفيان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه، خيرٌ له من أن يجلس على قبرٍ". 1451- الحديث الثَّالث: قال أحمد: وثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت عبد الرَّحمن بن يزيد بن جابر يقول: حدَّثني بُسْر بن عبيد الله الحضرميُّ أنَّه سمع واثلة بن الأسقع يقول: حدَّثني أبو مرثد الغنويُّ أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا تصلُّوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها". انفرد بإخراج هذا الحديث والذي قبله مسلمٌ. 1452- الحديث الرَّابع: قال أحمد: وثنا عليُّ بن عبد الله ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة الجذاميِّ عن زياد بن نعيم الحضرميِّ عن عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا متكئٌ على قبر، فقال: "لا تؤذ صاحب القبر". 1453- طريقٌ آخر: قال أحمد: وثنا معاوية بن عمرو ثنا عبد الله بن وهب عن عمرو عن سعيد بن أبي هلال عن أبي بكر بن حزم أنَّ النَّضر بن عبد الله أخبره عن عمرو بن حزم أنَّه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا تقعدوا على القبور". ز: حديث زياد بن نعيم عن عمرو: انفرد به الإمام أحمد، وإسناده صحيحٌ. وزياد بن نعيم هو: ابن ربيعة بن نعيم، وقد وثَّقه العجليُّ وابن حِبَّان. وحديث النَّضر عن عمرو: رواه النَّسائيُّ عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث عن أبيه عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال. والنَّضر: غير مشهورٍ، ولم يرو له النَّسائيُّ غير هذا الحديث، والله أعلم O.
وقال مالك والشَّافعيُّ: لا يكره. 1454- قال البخاريُّ: ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام ثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدريِّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع". أخرجاه في " الصَّحيحين".
وقال الشَّافعيُّ: يكره. 1455- قال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق قال: أخبرني ابن جريج قال: أخبرني هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو أنَّه أخبره أنَّ سلمة بن الأزرق كان جالسًا مع عبد الله بن عمر فمرَّ بجنازة يُبكى عليها، فعاب ذلك عبد الله بن عمر، وانتهرهنَّ، فقال له سلمة بن الأزرق: لا تقل هذا، فإنِّي لأشهد على أبي هريرة لسمعته يقول- وتوفِّيت امرأةٌ من كنائن مروان وشهدها، وأمر مروان بالنِّساء اللاتي يبكين يطردن- فقال أبو هريرة: دعهنَّ يا أبا عبد الملك، فإنَّه مُرَّ على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجنازةٍ يبكى عليها- وأنا معه، ومعه عمر بن الخطَّاب-، فانتهر عمر النِّساء اللاتي يبكين مع الجنازة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دعهنَّ يا ابن الخطَّاب، فإنَّ النَّفس مصابةٌ، والعين دامعةٌ، وإنَّ العهد حديثٌ". قال: أنت سمعته؟ قال: نعم. قال: فالله ورسوله أعلم. ز: روى بعض هذا الحديث: النَّسائيُّ وابن ماجه، فرواه النَّسائيُّ عن عليِّ بن حجر عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد ابن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الأزرق، ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن [عفَّان] عن حمَّاد بن سلمة عن هشام بن عروة، وعن عليِّ بن محمد وأبي بكر عن وكيع عن هشام، ولم يذكر سلمة في إسناده. ورواه الحاكم من رواية عبدة عن هشام بن عروة ولم يذكر سلمة، وقال: على شرطهما. وقد ذكر الدَّارَقُطْنِيُّ هذا الحديث في كتاب " العلل"، وذكر الاختلاف في إسناده O. 1456- قال أحمد وثنا محمد بن عبيد الطَّنافسيُّ ثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: زار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر أمِّه، فبكى، وأبكى من حوله، ثُمَّ قال: "استأذنت ربِّي عزَّ وجلَّ أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي". انفرد بإخراجه مسلمٌ. احتجُّوا: 1457- بما روى أحمد: ثنا صفوان بن عيسى ثنا أسامة بن زيدٍ عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا رجع من أحدٍ سمع نساء الأنصار يبكين على أزواجهنَّ، فقال: "لكنَّ حمزة لا بواكي له". فبلغ ذلك نساء الأنصار، فجئن يبكين على حمزة، قال: فانتبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل، فسمعهن، وهنَّ يبكين، فقال: "ويحهنَّ لم يزلن يبكين بعدُ منذ الليلة؟! مروهنَّ فليرجعن، ولا يبكين على هالكٍ بعد اليوم". ز: رواه الإمام أحمد أيضًا عن عثمان بن عُمر وزيد بن الحُباب عن أسامة، ورواه ابن ماجه عن هارون بن سعيد المصريِّ عن ابن وهبٍ عن أسامة. ورواه أبو يعلى الموصليُّ عن زكريا بن يحيى الواسطيُّ عن روح عن أسامة عن نافع عن ابن عمر، وعن الزُّهريِّ عن أنس. وأسامة: روى له مسلمٌ في " صحيحه". ورواه الحاكم من حديث أنس، وقال: على شرط مسلم، وهو أشهر حديث بالمدينة، فإنَّ نساء الأنصار لا يندبن موتاهنَّ حتى يبكين حمزة، وإلى يومنا هذا! O. والجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أَنَّه ضعيفٌ، قال أحمد: أسامة روى عن نافع أحاديث مناكير، ترك يحيى بن سعيد حديثه. وقال يحيى بن معين: ترك حديثه بأخرة. ز: الَّذي قال: (ترك حديثه بأخرة) هو يحيى بن سعيد، لا يحيى بن معين، وقد وثَّقه ابن معين في رواية غير واحدٍ عنه، والله أعلم O. والثَّاني: أنَّه لمَّا رأى كثرة بكائهنَّ ودوامهنَّ على ذلك نهاهنَّ، وعلى هذا يحمل ما يحتجُّون به أيضًا وهو: 1458- ما رواه أحمد: ثنا ابن نمير ثنا يحيى عن عمرة عن عائشة قالت: لمَّا جاء نعي جعفر بن أبي طالب وزيد وابن رواحة، جلس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرف في وجهه الحزن، فأتى رجلٌ فقال: يا رسول الله، إنَّ نساء جعفر. فذكر من بكائهنَّ، فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينهاهنَّ، فذهب، ثُمَّ جاء فقال: قد نهيتهنَّ- أو أنَّهنَّ لم يطعنه-. حتى كان في الثَّالثة فزعمت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "احث في أفواههنَّ التُّراب". ز: هذا الحديث مخرَّجٌ في " الصَّحيحين " من حديث يحيى، وهو ابن سعيدٍ الأنصاريُّ O. والثَّالث: أنَّ المراد بالبكاء الَّذي نهى عنه: البكاء الذي معه ندبٌ على الميت، لا مجرَّد الدَّمع. سمعت شيخنا أبا منصور اللغويَّ يقول: يقال للبكاء الَّذي يتبعه النَّدب: بكاءٌ.
وقال أبو حنيفة: لا تسنُّ بعده. 1459- قال ابن ماجه: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد قال: حدَّثني قيس أبو عمارة مولى الأنصار قال: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يحدِّث عن أبيه عن جدِّه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "ما من مؤمنٍ يعزِّي أخاه بمصيبة إلا كَسَاه الله من حُلَلِ الكرامة يوم القيامة". 1460- وقال أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ: ثنا محمد بن حميد ثنا عبد الله بن ناجية ثنا الحسين بن علي الصُّدائيُّ ثنا حمَّاد بن الوليد عن سفيان الثَّوريِّ عن محمد بن سُوَقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من عزَّى مصابًا كان له مثل أجره". تفرَّد به حمَّاد بن الوليد عن الثَّوريِّ، وهو ضعيفٌ جدًّا؛ وقد روي هذا الحديث من طرقٍ لا تثبت. ز: الحديث الأوَّل: انفرد به ابن ماجه، وفيه إرسالٌ، ومحمد بن عمرو بن حزم ولد في حياة النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سنة عشرٍ من الهجرة. وقيس أبو عمارة: ذكره ابن أبي حاتم في " كتابه"، ولم يذكر فيه جرحًا، وقال ابن عَدِيٍّ: سمعت ابن حمَّاد يقول: قال البخاريُّ: فيه نظرٌ. قال ابن عَدِيٍّ: وإنَّما له حديثٌ واحدٌ. وذكره ابن حِبَّان في كتاب " الثِّقات". والحديث الثَّاني: رواه التِّرمذيُّ عن يوسف بن عيسى عن عليِّ بن عاصم ثنا- والله- محمد بن سُوقة، وقال: غريبٌ لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عليِّ بن عاصم. ورواه ابن ماجه عن عمرو بن رافع عن عليِّ بن عاصم. وقال البيهقيُّ: تفرَّد به عليُّ بن عاصم، وهو أحد ما أنكر عليه، وقد روي أيضًا عن غيره، والله أعلم. وقد تكلَّم في عليٍّ غير واحدٍ من الأئمة، وقال ابن عَدِيٍّ في ترجمته: وروى عن محمد بن سُوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من عزَّى مصابًا فله مثل أجره". قال: وقد رواه مع عليِّ بن عاصم عن ابن سُوقة: محمد بن الفضل بن عطيَّة، وعبد الرَّحمن بن مالك بن مغول. وقد روي عن الثَّوريِّ وإسرائيل وقيس وغيرهم عن ابن سُوقة، ومنهم من يزيد في الإسناد: علقمة. وأنكر النَّاس على عليِّ بن عاصم حديث ابن سُوقة هذا. قال: والضَّعف على حديث عليِّ بن عاصم بيِّنٌ. وقال الخطيب: وقد روى حديث ابن سُوقة: عبد الحكم بن منصور مثل ما رواه عليُّ بن عاصم، وروي كذلك عن سفيان الثَّوريِّ وشعبة وإسرائيل ومحمد بن الفضل بن عطيَّة وعبد الرَّحمن بن مالك بن مغول والحارث بن عمران الجعفريِّ كلِّهم عن ابن سُوقة، وليس شيءٌ منها ثابتًا O.
1461- قال التِّرمذيُّ: ثنا أحمد بن منيع ثنا روح بن عبادة ثنا زكريا ابن إسحاق قال: حدَّثني عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ أمِّي توفِّيت، أفينفعها إن تصدَّقت عنها؟ قال: "نعم". قال: فإن لي مخرفًا، فأشهدك أنِّي قد تصدَّقت به عنها. 1462- وقال أحمد: ثنا عبد الرَّزَّاق أنا ابن جريج قال: أخبرني يعلى أَنَّه سمع عكرمة يقول: أنبأنا ابن عباس أنَّ سعد بن عبادة توفِّيت أمُّه وهو غائبٌ عنها، فقال: يا رسول الله، إنَّ أمِّي توفِّيت وأنا غائبٌ عنها، فهل ينفعها إن تصدَّقت بشيءٍ عنها؟ قال: "نعم". قال: فإنِّي أشهدك أنَّ حائطي المخرف صدقةٌ عنها. انفرد بإخراجه البخاريُّ. 1463- قال أحمد: وثنا حجَّاج قال: سمعت شعبة يحدِّث عن قتادة قال: سمعت الحسن يحدِّث عن سعد بن عبادة أنَّ أمَّه ماتت، فقال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أمِّي ماتت، أفأتصدَّق عنها؟ قال: "نعم". قال: فأيُّ الصَّدقة أفضل؟ قال: "سقي الماء". قال: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة، قال شعبة: فقلت لقتادة: من يقول: (تلك سقاية آل سعد)؟ قال: الحسن. ز: روى هذا الحديث النَّسائيُّ عن إبراهيم بن الحسن عن حجَّاج، والحسن عن سعد مرسلٌ. 1464- وقال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزُّهريُّ: ثنا مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جدِّه أَنَّه قال: خرج سعد بن عبادة مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض مغازيه، وحضرت أمَّه الوفاة بالمدينة، فقيل لها: أوصي. فقالت: فيم أوصي؟ إنَّما المال مال سعد! فتوفِّيت قبل أن يقدم سعد، فلمَّا قدم سعد وذُكر له ذلك، فقال سعد: يا رسول الله، ينفعها أن أتصدَّق عنها؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نعم". فقال سعد: حائط كذا وكذا صدقة عنها. لحائطٍ سمَّاه. رواه النَّسائيُّ عن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم عن مالك، ورواه ابن حِبَّان البستيُّ عن عمر بن سعيد بن سنان عن أحمد بن أبي بكر، ورواه الحاكم وصحَّحه. وسعيد بن عمرو: وثَّقه النَّسائيُّ وابن حِبَّان. [وأبوه] عمرو بن شرحبيل: روى عنه غير واحد، وذكره ابن حِبَّان في كتاب " الثِّقات". وجدُّه شرحبيل بن سعيد: ذكره ابن حِبَّان أيضًا في " الثِّقات". والحديث فيه إرسالٌ، والله أعلم O. 1465- قال أحمد: وثنا سليمان بن داود أنا إسماعيل قال: أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له". انفرد بإخراجه مسلمٌ. 1466- وفي أفراده من حديث أبي هريرة أنَّ رجلاً قال للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أبي مات ولم يوص، أينفعه أن أتصدق عنه؟ قال: "نعم".
|